المقالات

فكر التغيير – الله يغير علينا!

 

 

نعم الله يغير علينا لأن التغيير سنة كونية، وللأسف مصطلح «الله لا يغير علينا» من المصطلحات الدارجة جدا بيننا، وربما أخذت أبعادا كثيرة جعلتها تأخذ منحى سلبيا أوصلنا للرضا السلبي! وهو الرضا بالحال وعدم الرغبة في الخروج من منطقة الراحة Comfort Zone، والذي ينتج عنه ضعف مهارة المرونة للتغيير، ويسبب محاربة وعدم تقبل أي جديد، وقد يوصلنا إلى حالة الجمود العقلي الذي تكثر معه المسلمات، وتنتشر بسببه الخرافة والجهل والتعصب.

لذا العقلية المرنة القابلة للتغيير مطلب مهم في هذا الزمن المتسارع، وفي ذات الوقت يجب أن تكون عقلية مرنة وواعية لهذا التغيير حتى لا تنجرف نحو اليسار تماما بعدما كانت في أقصى اليمين. ولعل البعض يختلف مع عنوان المقال ويقول: لماذا تطلب من الله أن يغير علينا ونحن ننعم بنعم كثيرة! أقول لهم ببساطة: الله يغير علينا لننعم بنعم أكثر وأكثر، ويجب أن نتفق أنه لا علاقة طردية بين الرضا والتغيير! بل إن من أهم فوائد فكر التغيير هو تغير الفكر! ولعل أفضل مثال اطلعت عليه مؤخرا في هذا المجال هو البرنامج التأهيلي الذي تقوم به وزارة العدل الأمريكية من خلال المؤسسة الوطنية للإصلاح، وذلك لتغيير الفكر المنحرف.

برنامج فكر التغيير Thinking for a Change أو T4C هو برنامج تدريبي متكامل لتغيير السلوك المعرفي مبني على أبحاث تركز على نظريات إعادة الهيكلة المعرفية، وتنمية المهارات الاجتماعية ومهارة حل المشكلات. البرنامج يقدم داخل السجون ودور الرعاية الاجتماعية والهيئات الإصلاحية، والذي أتمنى من لجنة المناصحة وغيرها من الجهات ذات العلاقة الاستفادة منه. وبعد مراجعة فلسفة هذا البرنامج ومراجعة مئات الأبحاث والكتب في مجال فكر التغيير وصلت لقناعة أنها عبارة عن ثلاث مراحل يمكن تلخيصها كالتالي:

1. مرحلة التفكيك:

وهي مرحلة مهمة وأساسية يتم فيها هدم جميع المسلمات والقناعات التي لا يوجد لها أساس علمي أو مستند قوي يمكن الاستناد عليه، بل هي مجرد موروث متناقل ترسخ مع الوقت أنه حقيقة! هذه المرحلة تتطلب رغبة ملحة في التغيير، ورغبة عالية في البحث عن الحقيقة، وتتطلب درجة من الفضول والشك الذي ترتفع معه التساؤلات المنطقية في كل شيء للوصول إلى إجابات منطقية علمية.

2. مرحلة إعادة الترتيب:

في هذه المرحلة تتم إعادة ترتيب وتصنيف جميع الحقائق التي حصلنا عليها! لأن الحقيقة وحدها لا تكفي لبناء تصور أو اتجاه أو حكم أو قرار! يجب أن تكون لدينا مهارة عالية في الاستنباط والاستدلال والربط حتى لا يكون لدينا دليل صحيح واستنتاج خاطئ، أو دليل صحيح ولكن بإسقاط واستدلال خاطئ.

3. مرحلة إعادة التركيب: وهذه مرحلة مهمة لإعادة بناء المفاهيم بعد تفكيكها وإعادة فهمها وتدقيقها، ومن خلالها يتم بناء المفاهيم والقناعات والتصورات بشكل جديد وعميق، ومعها يتغير التفكير ومن خلال تغير الفكر يتغير السلوك. هذه المرحلة تتطلب وقتا وجهدا عاليا، لأن أساسها ليس الترميم بل البناء بعد الهدم. لذا التحرر من النزعات الشخصية والمخاوف الاجتماعية مطلب مهم للبناء على أسس متينة دون خوف أو تحيز.

مرحلة التفكيك : تفكيك جميع المسلمات الغير علمية والغير مبنية على دليل قوي

مرحلة إعادة التركيب : بناء جديد لاستنباط واستدلال جديد لأدلة علمية قوية

مرحلة إعادة الترتيب : إعادة فهم وتحليل واستنباط الحقائق المبنية على أدلة قوية

S_Meemar@