المقالات

عقول لا تعترف بأخطائها!

 

الشكل المأنا على وشك الإيمان بأن هناك كائنات فضائية تنزل إلى الأرض كل يوم، وتقوم بارتكاب جميع الأخطاء التي تقع بالكرة الأرضية! ويقومون بمشاهدة المقاطع المخلة، ويرفعون نسبة مشاهدة مقاطع المشاهير التافهة، ثم يقومون برمي النفايات في الشوارع، ويقومون بكل سلوك سيئ لا يعكس ديننا وعاداتنا وأقوالنا! لأن مجالسنا الجميع فيها يستنكر انتشار التفاهة والتافهين، ويطالبون أيضا بتطبيق أقصى العقوبات على السائقين أبطال حرب الشوارع، ويطالبون وبقوة إيقاف المتاجرة بالدم من خلال دفع الملايين لإيقاف حد القتل، ويتعجبون من سلوك البشر في رمضان، سواء من ناحية الأداء في العمل أو سلوكياتهم في الشوارع قبل موعد الإفطار!

 


الأمثلة كثيرة التي تشعرك أن المسؤول عن معظم الأخطاء هي كائنات فضائية، بل حتى (عيال الحرام) هم من الفضاء لأن كل أم في الأرض تقول «ما ضيع ولدي إلا عيال الحرام»! نحن أمام معضلة حقيقية إما إيقاف هذه الكائنات الفضائية من تخريب حياتنا، أو الاعتراف أننا نحن خلف كل هذه الأخطاء! ثقافة الاعتراف بالمشكلة يا سادة هي الحل لها، ولن تقوم لأمة قائمة وشأن إن لم تعترف بمشاكلها وأخطائها.







وفي ذات السياق أطلعت مؤخرا على كتاب Mistakes Were Made (But Not by Me)، أي الأخطاء التي ارتكبت (لكن ليست من قبلي) والذي كتبه أبرز علماء الاجتماع كارول تافريس وإليوت أرونسون، واللذين تناولا التنافر المعرفي وانحياز التأكيد وغيره من التحيزات المعرفية التي توضح كيف يبرر مرتكبو الأخطاء سلوكهم.

الكتاب أوضح أنه من السهل على الجميع الاعتراف بوقوع خطأ، لكن من الصعب الاعتراف بأننا جزء من هذا الخطأ! والكتاب وضع عددا من التساؤلات المثيرة، منها: لماذا يتجنب الناس المسؤولية عندما تتعقد الأمور؟ لماذا القادة والشخصيات العامة عندما يفشلون يكونون غير قادرين على الاعتراف الكامل بالخطأ دون تبرير؟ لماذا الخلافات الزوجية لا تنتهي بمعرفة من كان على حق؟ لماذا يمكن أن نرى النفاق في الآخرين ولكن ليس في أنفسنا؟ هل نحن جميعا كاذبون؟ أم هل نصدق حقا القصص الكاذبة التي نرويها؟! وكثير من التساؤلات التي عرض فيها الكتاب كيفية اتصال الدماغ بالتبرير الذاتي عندما نرتكب الأخطاء، وأهمية تهدئة التنافر المعرفي الذي يعرقل مشاعرنا بقيمة الذات ويخلق خيالا يعفينا من المسؤولية، ونعيد إيماننا بأننا أذكياء وأخلاقيون وعلى حق، وهو اعتقاد غالبا ما يبقينا على مسار غير أخلاقي وخاطئ.

وعدم الاعتراف بالخطأ ليس صراعا داخليا داخليا، بل أيضا خارجي من خلال المجتمع المحيط، وأعتقد أنه كلما كانت سلطة المجتمع أقوى قلت في هذا المجتمع القدرة على الاعتراف بالأخطاء. لذا أرى أن الاعتراف بالخطأ يجب أن يكون شاملا بمستوياته الثلاثة.

– الاعتراف الشخصي:

أي التدريب الذاتي على الاعتراف بالخطأ دون تبرير، والاعتذار عنه بكل شجاعة حتى وإن تطلب الأمر أن يكون بصورة علنية، وإصلاح ما تم كسره، والخروج من الصورة الملائكية وتذكر بأننا بشر لسنا معصومين عن الخطأ وخير الخطائين التوابون.

– الاعتراف الجماعي:

ويعني تربية الأبناء على أهمية الاعتراف بالخطأ منذ وقت مبكر، حتى تكون الجماعة الصغيرة المحيطة بالفرد متسامحة تتقبل الاعتذار، وتفصل بين الخطأ ومرتكب الخطأ، ويكون التوجيه واللوم على الخطأ لا صاحبه، ويجب خلق ثقافة الاعتراف بالخطأ وأنها شجاعة لا ضعف وتقدير من يقوم

بها.

– الاعتراف المجتمعي:

المجتمع الكبير عليه دور كبير في رفع الوعي بأهمية الاعتراف بالخطأ، وأن يكون متسامحا لا يشنق المذنب بهاشتاقات السوشل ميديا، ولا ينبش في ماضي المذنب الذي اعترف بخطئه، ويقف ويحفز كل مخطئ اعترف بخطئه ويساهم معه إيجابيا في إصلاح الخطأ.

S_Meemar@