المقالات

العقلية الدوغمائية المتحجرة!

الدوغمائية كلمة يونانية تعني الجمود العقائدي، أو التشبث بالرأي والمعتقد، ويعود أصل هذا المصطلح إلى كلمة «دوغما» الموجودة في الفكر الديني المسيحي الكاثوليكي، وترتبط الدوغما بمفهوم عصمة بابا الفاتيكان، حيث صدر مرسوم رسمي ودغمائي عام 1870 يؤكد أن البابا معصوم عن الخطأ، وبيده صكوك الغفران وتعاليمه بمنزلة إلهام إلهي! وعرفها الإغريق بالجمود الفكري، والتي يتعصب فيها الشخص لأفكاره لدرجة رفضه الاطلاع على الأفكار المخالفة، وإن ظهرت له الدلائل التي تثبت له أن أفكاره خاطئة سيحاربها بكل ما أوتي من قوة، ويصارع من أجل إثبات صحة أفكاره وآرائه، فهي حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات لدرجة معاداة كل ما يختلف عنها. لذا فالعقلية الدوغمائية Dogmatic Mind تتجاهل الحقائق وتنكرها إلا إذا جاءت في خدمة أفكارها المسبقة وأحكامها المقررة سلفا، وترفض أي حقائق قد تتسبب بتحريك قناعاتها السابقة. وصاحب هذا العقل يعتقد أنه يملك اليقين المطلق وأن ما لديه من أحكام مسبقة هي أحكام صحيحة ونهائية ولا داعي لعرضها على النقاش أو الفحص! وكما يتضح من التعريف أن الدوغمائية داء خطير كفيل بتشويه عقولنا وسلوكنا، لذا يجب الحذر من الإصابة بهذا المرض الخطير، وذلك من خلال تحصين عقولنا بأربع قواعد رئيسة.

01. الاختلاف هو الأساس:

يجب أن نتفق أن الاختلاف هو الأساس، بينما التطابق هو أمر نادر الحدوث! وعليه يجب توطين أنفسنا على الاختلاف واعتباره سنة كونية لا مفر منها. الاختلاف لا يعني الخلاف، بل هي زوايا نظر مختلفة وإدراك وفهم مختلفان. والمخالف لنا ليس عدوا، بل مجرد شخص لا يشبهني، والكون يسعني ويسعه، ومن المؤكد أن هناك نقاط اتفاق ستجمعنا لاحقا.

02. التسامح هو الحل:

من أهم القواعد التي تساعدنا على التخلص من العقلية المتحجرة البحث عن نقاط الاتفاق لا الانطلاق من نقاط الاختلاف! يجب ألا نتمحور حول نقاط الاختلاف، بل أن نتركها ونبحث عن نقاط الالتقاء، وبالتالي تصبح القاعدة أنا أفوز وأنت تفوز وليس بيننا خاسر، والأرضية الجامعة لكل هذا هي أرضية التسامح الصلبة التي لا تحمل الغل على المخالف، وتقبله كما هو دون شروط.

03. التكامل هو المطلوب:

الدوغمائي لا يرى أن الاختلاف رحمة، بل حرب والمختلف عدو! وهذا لا يقبله العقل والمنطق لأن المختلف هو عنصر مهم للتكامل حتى لا نصبح نسخا مكررة تؤدي نفس الأدوار وبنفس الطريقة! يجب أن نربي أنفسنا وصغارنا على مهارات التعامل مع المختلفين، وأنهم ليسوا متخلفين بل مكملين لنا، ووجودهم صحي وعنصر قوة لا ضعف، والمهارة الحقيقة في التعامل مع الآخرين لن تظهر مع من يشبهني بل مع من يختلف عني.

04. النقد هو النجاة:

عقلية النمو هي تلك العقلية المرنة المتغيرة بناء على إدراكها للمتغيرات، وهذا الإدراك يجعلها مرنة.

والإدراك هو نتيجة حتمية لاستخدام أدوات النقد دون تقديس وتسليم مطلق لفرد أو جماعة أو فكرة! الفكرة الصلبة لا تخشى النقد، بل النقد يزيدها قوة، وعكسها الأفكار والجماعات المهزوزة تسقط من أول نقد، لذا تحرمه حتى لا تتعرى!

S_Meemar@