المقالات

التفكير في الماضي (النوستالجيا)!

 

 

النوستالجيا Nostalgia هو مصطلح يستخدم لوصف الحنين إلي الماضي، أصل الكلمة يرجع إلى اللغة اليونانية ومعناها الحرفي «نوستـ» بمعنى الرجوع للبيت و«الجيا» بمعنى ألم أو وجع، وهي حب شديد للعصور الماضية بشخصياتها وأحداثها.

النوستالجيا كمفهوم هي الحنين إلى ماض مثالي، أو هي حالة عاطفية نصنعها نحن في إطار معين وفي أوقات وأماكن معينة، أو يمكن وصفها بأنها عملية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية! بل وأظهرت دراسة بجامعة ساري بمدينة غلدفورد جنوب لندن أن الحنين للماضي يعطي شحنة إيجابية لدماغ الإنسان لأنه يحرك العواطف.


وكبرى الشركات أصبحت تستخدم النوستالجيا في التسويق بحسب دراسة نشرتها جامعة شيكاغو، والتي أكدت أن تعرض العملاء لحالة الحنين إلى الماضي يرفع من رغبتهم الشرائية لما يمثل ذكرياتهم، كما يجعلهم على استعداد لدفع الأموال بسهولة أكبر في مقابل اقتناء الأشياء التي تدخلهم في تلك الحالة.

لذا النوستالجيا حالة نافعة بمفهومها العام ولكن قد تكون ضارة! والضرر لا ينحصر في المثال الذي ذكرته حول استغلال شركات التسويق لها، بل الخطورة الحقيقية في العيش على مكتسبات الأطلال وتمجيد الماضي وكره الحاضر والخوف من المستقبل! الخطورة أيضا تكمن في ارتداء نظارات وردية للماضي وسوداء للحاضر والمستقبل، حتى أصبحنا نقول «زمن الطيبين» و»زمن الفن الجميل» وغيرهما من العبارات التي قد تعني استحالة عودة الزمن الجميل!

التفكير في الماضي حالة متحيزة نختار منها ما نريد من خلال استحضار ما نريد من صور وقصص وذكريات وشواهد تجعلنا سعداء أو تعساء، ولكن في جميع الأحوال سنخسر لو بقينا في دائرة آهات الماضي! لذا أقترح أن تكون لدينا منهجية في التفكير بالماضي تتلخص في 4 نقاط رئيسة.

أولا:

التفكير في الدروس لا النتائج: استحضار دروس الماضي أجدى من استحضار مشاعر الماضي أو نتائج الماضي، فالنتائج هي من مكتسبات الماضي ولا يمكن أن تعود إلا من خلال تحليل الدروس والتعلم وأخذ العبرة منها، وتطبيق هذه الدروس قد يعيد نفس النتائج بل وأفضل، بينما العيش مع مشاعر النتائج لن يجلب إلا الآهات المؤقتة.

ثانيا:

رفض عبارة من ليس له ماض ليس له حاضر: هناك كثير من العبارات التي تحفز على البقاء في دائرة الماضي، والإيمان بأن نقطة الانطلاق يجب أن تكون من خلال ماض قوي! وهذا غير صحيح، إذ نستطيع الانطلاق من اليوم ونستطيع أن نتفوق وننطلق من نقطة الصفر، والماضي يبقى ماضيا، والأمم التي عاشت على أطلال الماضي أصبحت من الماضي، والأمم التي انطلقت من واقع الحاضر أصبحت تقود الحاضر دون أن يكون لها ماض.

ثالثا:

لا للانهزامية الشاملة: نعم قد تكون هناك أجزاء من حياتنا جميلة في الماضي، ولكن هناك أجزاء أجمل في حاضرنا! والماضي والحاضر لا يقاسان ككتلة واحدة أو حكم واحد، فالحياة أجزاء كثيرة والتركيز على جزء صغير جميل في الماضي قد يضيق أفق تفكيرنا في مكتسبات الحاضر! والعوامل والمعطيات بين الأزمان مختلفة تماما، وما كان تحديا في الماضي هو اليوم غاية في اليسر، والعكس صحيح، وكذلك الفرص ما كان متاحا أصبح غير متاح، والعكس صحيح!

رابعا:

النوستالجيا المستقبلية: وهي حالة خلق ذكريات لأنفسنا نستدعيها في المستقبل، ونتوقف من خلالها في التفكير بالماضي لخلق حاضر جميل وصناعة مستقبل أجمل، هي مرحلة انتقالية من أين كنا إلى أين سنكون! مرحلة انتقالية من التلذذ بآهات الماضي إلى التلذذ وبشوق للمستقبل! مرحلة انتقالية من الاستسلام للماضي إلى استلام صك العمل لبناء المستقبل.

منهجية التفكير بالماضي:

  • فكر في دروس الماضي لا نتائجه
  • فكر في الحاضر والمستقبل
  • فكر بواقعية فمعطيات الماضي مختلفة
  • فكر بطريقة النوستالجيا المستقبلية