المقالات

التفكير الضال وليس الفكر الضال!

 

 

يجب ألا نظلم الفكر ونقول عنه ضالا! لأن الفكر هو نتيجة لخطوات علمية مدروسة قبل الوصول إلى محصلة ما. ومن يتبع منهجية فكرية سليمة للوصول إلى فكرة أو نتيجة أو قرار ففي الغالب سيكون غير ضال!

لذا يجب أن نقول عنه تفكيرا ضالا وليس فكرا ضالا، لأن التفكير عملية أولية تحدث كاستجابة لمثير ما! وهنا نتساوى حتى مع المجنون لأنه برغم جنونه فإنه يفكر! فهو ببساطة لديه استجابة غير ناضجة لمثير ما!

إذن الجميع ربما يتعرض لنفس المثيرات ولكن الاستجابات بيننا تختلف! لأنه ما بين المثير والاستجابة حلقة مهمة وهي مجموعة من الأدوات وأهمها مهارات التفكير الناقد والتحليلي الذي يجعل من الاستجابة أكثر نضوجا، ولكن عندما لا يكون بين المثير والاستجابة أي مهارات تفكير فإننا ما زلنا في مرحلة تفكير لا فكر! بمعنى أن جميع الأفكار الشاذة والأفعال الضالة هي استجابة مباشرة لمثير ما ولم تخضع لعملية تفكير عميق الذي ولد تفكيرا ضالا!

وهنا يجب أن أذكر تجربة رائدة للهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم (تدبر) التي منحتني شرف المشاركة معهم وتدريبهم على دمج مهارات التفكير في تدبر القرآن الكريم، وهي خطوة غير مسبوقة ومهمة جدا!

وجمال هذه الخطوة هو إدراك القائمين عليها بأهمية استخدام مهارات التفكير لإنضاج استجابتنا لنصوص القرآن الكريم، وحتى تصبح سلوكياتنا نتاج فكر لا مجرد تفكير! وبالفعل تم تدريب أكثر من مجموعة على سبع مهارات تفكير لتدبر القرآن الكريم قبل إصدار حكم أو استنباط نتيجة أو تعميم فهم أو تفسير موقف! والتي أتمنى أن يتبناها جميع مشايخنا القادرين على البناء عليها وتطويرها لتصبح منهج جميع المشايخ والدعاة عبر جميع وسائل الإعلام، ليتحول الخطاب من المنهج العاطفي القائم فقط على الترغيب والترهيب والتأييد والإنكار إلى المنهج العقلي القائم على النقد والمنطق والتحليل.. والمهارات السبع هي:

1. التطبيق: تعني قدرتنا على استخدام الحقائق أو المفاهيم أو المبادئ أو القوانين التي وردت في القرآن الكريم لحل مشكلة نتعرض لها في موقف جديد في حياتنا.

2. الربط: تعني قدرتنا على ضم أجزاء المعرفة بعضها إلى بعضها الآخر بإحكام وتسلسل، ومن دون فجوات أو تناقض، بحيث تعطينا معنى أو قيمة جديدة ذات فائدة إضافية، كالربط بين آية وآية أخرى أو بين آية وحديث شريف.

3. التحليل: تعني قدرتنا على تجزئة المعلومات إلى الأجزاء التي يتكون منها الموقف أو الظاهرة أو الحدث بغرض إقامة علاقات جديدة بين تلك الأجزاء أو رؤية العلاقات الموجودة فعلا بينها للدخول في التفاصيل التي تقودنا للعمق لا لظاهر النص القرآني.

4. المقارنة: تعني قدرتنا على توجيه أوجه الاتفاق، وأوجه الاختلاف بين الأشياء المراد المقارنة بينها، وتتطلب المقارنة قدرة على التحليل والتفسير والاستنتاج والربط، والخروج بتعميمات يمكن تطبيقها على ظواهر أخرى في حياتنا مقارنة بمواقف ذكرت في القرآن.

5. الاستنباط: تعني قدرتنا على التوصل إلى نتيجة مختلفة أو ضمنية من معلومات سابقة ذكرت في القرآن، وذلك عن طريق معالجة المعلومات، أو الحقائق المتوفرة، وذلك انتقالا من الكل إلى الجزء، ومن العموميات إلى الخصوصيات، ومن القواعد إلى التطبيقات.

6. الاستقراء: تعني استعراض أمثلة كثيرة لمفهوم واحد، أو حالات عدة من قاعدة واحدة، ولكل حالة أو مثال خصائص القاعدة أو بعضها، وكل ذلك بغرض الوصول الى نتيجة جديدة، أو التحقق من نتيجة سابقة ذكرت نصا في القرآن الكريم.

7. الاستدلال: هي عملية ذهنية تتضمن وضع الحقاق أو المعلومات بطريقة منظمة، بحيث تؤدي إلى استنتاج أو قرار أو حل لمشكلة، ولا يكون هذا الاستدلال إلا بتحديد الاستنتاج أو التعميم أو الحكم أولا، ثم تقديم الدليل على الصواب أو الخطأ، فالدليل في القرآن صحيح ولا يقبل نقاشا، ولكن الإشكالية في قدرتنا على الاستدلال وربط الدليل بالموضوع نفسه.