المقالات

الأمن الفكري ومراحل التطرف!

بنظرة سريعة لعدد من الوزارات والجهات ستجد اهتماما كبيرا بالأمن الفكري، حيث أنشأ بعضها مراكز وأقساما وإدارات، ومنها ما أقام عددا من الندوات والمحاضرات! والسؤال: لماذا كل هذا الاهتمام؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ وما هو مفهوم الأمن الفكري لديهم؟ وكيف يمكن تحقيقه؟!

في البداية لعلنا نتفق أن العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي كان لهما دور كبير في الانفتاح على جميع الأفكار والثقافات العالمية، الجيد منها والضار، وبالتالي تنامت الظواهر الفكرية والتحولات الثقافية وأصبح اليوم الاهتمام بالأمن الفكري أكثر إلحاحا من ذي قبل، نتيجة لما تتعرض له المجتمعات من تهديدات فكرية مؤثرة على قيم المجتمع ومكوناته العقدية والثقافية والأمنية والشخصية.


ولعل انتشار الإرهاب والتطرف ما هو إلا دليل على ضعف الأمن الفكري وعدم قدرة المجتمع على التصدي للاتجاهات الفكرية السلبية، وتحصين أفراده بالأفكار الصالحة التي تجعله يتعايش مع محيطة الذي يعيش فيه بكل أمان واطمئنان، مع التزامه بمكونات أصالته وثقافته وهويته.

ومن خلال مراجعة عدد من المراجع العربية حول مفهوم الأمن الفكري، وجدت أن هناك شبه إجماع على أنه انحراف فكري مبني على تشدد ديني! وأنا لا أتفق مع هذا التعريف جزئيا، لأن موضوع الأمن الفكري موضوع عالمي وله مدارسه ونظرياته ويطلق عليه Intellectual Security، وأرى أن حصره في التشدد الديني تقزيم للمشكلة وحصرها في زاوية واحدة فقط، وعليه سيكون العلاج من خلال هذا التعريف فقط، وسنجد أن معظم برامجنا التوعوية تقوم بها مجموعة رائعة من علماء الشريعة فقط! لذا يجب إعادة صياغة المفهوم ليشمل جميع أنواع التطرف والانحراف الفكري مهما كان مصدره (ديني، اجتماعي، سياسي، نفسي، عضوي، …).

لذا أتمنى من جميع الوزارات إعادة تعريف مفهوم الأمن الفكري لديها حتى نصل لمرحلة التكامل، وتصبح كل وزارة مسؤولة عن الأمن الفكري من زاويتها وتخصصها، لنحقق الأمن الفكري الشامل الذي يحجم التطرف والانحراف الفكري في كل مجالات الحياة.

وفي دراسة حول أثر الانترنت على الأمن الفكري للدكتور عبدالله الشهري قال بأن مصادر الخلل الاجتماعي التي تشكل الأيديولوجية المنحرفة تبدأ من أولئك الذين يحملون الأفكار المتطرفة، ولديهم رغبة قوية في استبعاد الآخرين، وهم الوحيدون الذين يفهمون الحقائق والأشياء، لأن لديهم طريقة أحادية لعرض الحقائق، وكل شيء له وجه واحد فقط، ولديهم قناعات فكرية لا يريدون التخلي عنها أو التنازل عنها أو مناقشتها! وهذا التطرف يمر بثلاث مراحل.

1. تطرف فكري:

بداية التطرف ينشأ من التطرف والانحراف الفكري، والذي يكون مصدره الغزو الفكري من خلال نشر معلومات تبدو منطقية للعقلية التي لا تستطيع التعرف على المغالطات المنطقية. وعندما نقول غزو فكري نقصد هجوما مقننا وبشكل مستمر ومكثف وبجميع القنوات المتاحة، لجعل العقل متخما بمتناقضات ومغالطات يتم قبولها مع الوقت! لذا تدريب النشء منذ وقت مبكر على مهارات التفكير الناقد والتحليلي مطلب ملح لأن مهارات التفكير في العقل تعمل مثل كريات الدم البيضاء في الدم كخط دفاع ضد كل ما هو مضر.

2. تطرف عاطفي:

المرحلة الثانية من التطرف تصل بالمتطرف إلى التطرف العاطفي، بحيث ينتقل من عالم الأفكار والقبول والإيمان بها ونشرها إلى مرحلة التعاطف مع أصحاب هذه الأفكار المنحرفة! وهذا التعاطف يقوده إلى تخصيص مساحات ضخمة من وقته وماله لهذه الأفكار وأصحابها، ثم يدعو الآخرين للإيمان بها، ومع الوقت ينتمي لأصحاب هذا الفكر وينتقل من مرحلة الانتماء للفكرة إلى أصحاب الفكر ليصبح التحكم به أسهل.

3. تطرف سلوكي: وهي المرحلة الأخطر والحتمية لما بعد التطرف الفكري والعاطفي، والتي يحول فيها الشخص تطرفه الفكري والعاطفي إلى سلوك متطرف يضر به نفسه وبمن حوله من المختلفين، ويصبح مصدر تهديد حقيقي للبشرية.

S_Meemar@